وأما قول الأشعرية - مع أنه بظاهره موافق لقول السلف - أبعد في بداهة العقل، وأشد فسادا، لأنهم - أيضا - قائلون بالكلام النفسي الذي ليس بحرف ولا صوت، فكيف يقولون مع هذا بسماع كلام الله تعالى؟!.
وعلى هذا الأساس فهم الصحابة الكرام مثالية الإسلام، فلم تأسرهم عبادة، ولم تقيدهم عادة، وإنما تقلبوا في جميع العبادات والأحوال، وبلغوا فيها المستوى العالي من الكمال، فلم يجبسوا أنفسهم في مكان، ولا على نوع من العبادة، ولا على نمط معين من الأعمال، وإنما باشروا الجميع، فعند الصلاة كانوا في المسجد يصلون، وفي حلقات العلم يجلسون معلمين أو متعلمين، وعند الجهاد يقاتلون، وعند الشدائد والمصائب يواسون ويساعدون، وهكذا كان شأنهم في جميع الأحوال ثم - أخي - إن لم تستطع بعد كل هذه الضوابط والأسس أن تحوز الفضائل وتجمع بين النوازع فعلِّل النفس بحديث ابن الجوزي حيث يقول: ولله أقوام ما رضوا من الفضائل إلا تحصيل جميعها فهم يبالغون في كل علم، ويجتهدون في كل عمل، ويثابرون على كل فضيلة، فإذا ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك قامت النيات نائبة وهم لها سابقون هذا الكتاب الرائع على اختصاره يتحدث فيه مؤلفه عن مسألة تدور في خاطر أصحاب الهمة العالية.
والركن الثاني: هو السعي في الرزق، وفيه حياة المجتمع بالتعاون والتكافل والتكامل، لأنَّ الإنسان لا يستطيع بمفرده أن يستجمع متطلبات المعيشة والأمن.
لماذا يزهدوننا في الدنيا؟ فنحن نعاني من جهلنا بالصناعة والعلوم الحديثة وندفع ثمن تأخرنا بتصدير ثرواتنا للدول المتقدمة ليصنعوا منها ما لا نستطيع أن نصنعه لجهلنا بالعلوم والتقنيات الحديثة.
هذا هو معنى السؤال، أن الرسول حي في قبره، فهيا نمشي الآن ونزيل عليه التراب، فكيف نترك رسول الله حياً في قبره وعليه التراب؟ وماذا أصابنا حتى نترك رسولنا تحت التراب ولا نزيل عنه التراب؟ فما هذا الفهم؟ فالرسول روحه في الملكوت الأعلى في دار السلام في منازل الأبرار مع أرواح الشهداء، بل هي سيدة تلك الأرواح، واتصاله بالقبر كاللاسلكي، فإذا سلم عليه السلام عليكم على الفور يتصل روحه بجسده ويرد السلام، ولكن جسم الرسول لا يفنى، فالأرض لا تعدو تربتها على أجساد الأنبياء أبداً، فجسمه الطاهر كما هو، وجسمي وجسمك تأكله التربة.
المسائل الخلافية بين الفريقين - كما ذكره السبكي وأبو عذبة - ثلاث عشرة مسألة، وهي على نوعين: نوع فيه خلاف معنوي، ونوع فيه خلاف لفظي.