معلوم أن ذلك الميثاق الأوللا يذكر، وأن دلائل إقامة الحجة بذلك الميثاق موجودة في الآفاق وفي الأنفس، والرسل جاءت لإقرار ذلك، ولجعل الناس يرجعون إلى هذا الأصل الذي ولدوا عليه، وهو توحيد الله -جل وعلا- ثم إضافة بعض الشرائع التي تختلف من رسول إلى رسول.
وفي الآيةِ الأخرى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} يقولونَ: نحنُ عبادٌ ضعفاءُ، واللهُ جلَّ وعلا شأنُهُ عظيمٌ ولا نتوصلُ إليهِ، فهؤلاءِ يقربونَ إلى اللهِ زلفَى، شبهوا اللهَ بملوكِ الدنيا، هذا هو أصلُ الكفرِ، فدلَّ على أنهم لم يعتقدوا فيهم الشركَ في الربوبيةِ، وإنما اعتقدوا فيهم الشركَ في الألوهيةِ.
ومن شروط المشرع الاستغناء التام، أي أن المشرع لا يكون في حاجة إلى ما يشرعه أي لا تعود عليه منفعة وهذا كذلك لا يكون إلا لله عز وجل لأنه هو الغني الحميد لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين.
.
أما قصد الملائكة: فإنهم كانوا يقصدون الملائكة بطلب الحاجات، كما قال -جلّ وعلا- في آخر سورة سبأ عنهم: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ 40 قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}.
هناكَ مَنْ يقولُ: إنَّ الإنسانَ مَهْمَا فَعَلَ لا يُحْكَمُ عليهِ بالكفرِ ولا بالشركِ حتَّى يعلمَ ما في قلبهِ.