إن حكمنا بأن تمام الضمان يجب على الذي وضع العِدْل الأخير، فلا كلام، وإن قلنا: يجب عليه بعض الضمان، ففي مقداره وجهان:أحدهما: يجب عليه نصف الضمان، والثاني: يجب عليه بحصته توزع على العِدل الذي وضعه، والأمتعةِ التي كانت فيها، ويقع التوزيع على مقدار الأوزان.
ولو اشترك جماعة، فقلع كل واحد منهم سناً أو واحدٌ عشرين، وقلع الآخر الباقي، فيجب على كل واحد منهم الأروش بكمالها؛ فإنه لا يختص كل واحد بأكثر من الدية، وهذا نهايتها، ولو قلع قوم كل واحد سناً، وكذلك إن قلع سناً، وغرم أرشه، وقلع آخرَ وغرم أرشه وهكذا، حتى استوفى الأسنان، فالأروش تثبت، وإن زادت على الدية هذه صورة وحكى الأئمة الوفاق في وجوب تمام الأروش فيها.
هذا قولنا في ضمان القصاص.
فهذا هو الذي اعتلقه فهمي، وليس عندي فيه نقلٌ، ولا تحويم عليه، وإنما ذكرتُه أخذاً من المقدار الذي صادفته منصوصاًً عليه للاصحاب، وعلمتُ قطعاً أنهم لم يُعنَوْا ببيان ما تورطنا فيه، وفوّضوا الأمر فيه إلى درك الفاهم، فهذا منتهاك، والرأي بعده للموفّقين، المستجمعين لاستحقاق النظر في مضايق الشريعة.
ولو قطع الجاني فِلقةً من اللسان، ولم يسقط بسببها شيء من الكلام، فهذا يخرّج على القاعدة الممهدة في مراعاة المنفعة أو الجرم: من راعى الكلام، لم يوجب على القاطع إلا الحكومة، ومن راعى الجِرم، أوجب قسطاً بالنسبة إلى العضو، كما أوجبه على قاطع جزء من المارن أو جزءٍ من الحشفة، وهذا غير محبوب عند القياسين؛ فإن إيجاب قدرٍ من الدية، والمنفعةُ بحالها وتمامها، يلتزم إيجاب الدية الكاملة بقطع لسان الأخرس، وإن لم يؤثر القطعُ في إفاتة الكلام.
والوجه الثاني-وهو الذي قطع به الأئمة المراوزة- أنا لا نقلع سنه مرة أخرى؛ فإن القصاص عقوبة مع مجازاةٍ لعدوان، والمماثلة مرعية في القصاص.